تَغَيُّر القناعات الطبية

مثل باقي العلوم فإن الطب هو علم متجدد ومتغير باستمرار. وهناك العديد من الأمثلة لتوصيات وقناعات طبية تغيرت ١٨٠ درجة خلال العقود الأخيرة. ليس الهدف هنا التقليل من شأن الطب ودوره في حياتنا ولكن الهدف هو وضعه في إطاره الصحيح المنضبط (دون هالة التقديس الخاطئة).

لا يمكن أن نأخذ التوصيات الطبية كمسلمات مطلقة لا تحتمل الشك أو الخطأ، وبما أن الطب هو علم بشري يحتمل الخطأ فمن غير المقبول أبدا فرض التوصيات الطبية على جميع الناس بالقسر والإكراه.

الأطباء مطالبون بتوضيح هذه المسألة الحساسة، مطالبون بإخبار المرضى بأنهم يقدمون “أحسن” ما تبين لهم من توصيات وأن الأمر والقرار في نهاية المطاف هو بيد الفرد نفسه.

أمثلة

في المقطع التالي تجدون مثال حي وعملي على تحول طريقة التعامل مع مرض معين عبر العقود المتتالية، وكيف تتغير القناعات والتوصيات الطبية. إن الفحص المتكرر والإجراءات القسرية في الجائحة الحالية هما مثال آخر على التعامل المبالغ فيه و #الإفراط_في_التشخيص ونشر الرعب.


مادة دي دي تي (ddt) القاتلة هي مثال صارخ على حالة “العمى” التي تصيب النظام الصحي. فقد استمر الترويج لهذه المادة القاتلة لعقدين من الزمن،

في عام ١٩٣٩م اكتشف الكيمائي السويسري ميولر فعّالية هذه المادة المركبة كمبيد حشري. وبدأ الناس في استخدامه بشكل مكثف منذ عام ١٩٤٥م. وقد نال ميولر على ذلك جائزة نوبل في عام ١٩٤٨م. واستمر استخدامه حتى إعلان حظره في عام ١٩٧٢م. هذا بالرغم من تعالي أصوات كثيرة منددة به منذ إنتاجه وتعالت أكثر في عام ١٩٦٢م واستغرقهم عشر سنوات كاملة ليقتنع أصحاب القرار بإيقافه وحظره بالكامل.

وهذه الصورة هي دعاية لاستخدام هذه السم الزعاف في كافة مرافق الحياة حتى مع الأطفال.


حتى سبعينيات القرن الماضي كان التدخين يعتبر ممارسة صحية تخفف التوتر وتجلب السعادة للإنسان. وكان الأطباء يظهرون في دعايات السجائر. بل كان يُنصح به أيضا للنساء الحوامل.


شاع استخدام عقار الثاليدوميد في فترة أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي؛ إذ عُرف بخاصِّيته المُهدِّئة والمُسكِّنة في تلك الفترة، ثم وصفه الأطباء للنساء الحوامل من أجل إراحتهنَّ من أعراض الغثيان والاقياء الصباحي؛ وقد ادَّعت الشركة المُنتجة له آنذاك أنَّه الدواء الآمن تمامًا حتى في أثناء الحمل.

وبعد استخدام الثاليدوميد عدَّة سنوات من النساء الحوامل، وفي بداية الستينيات من القرن العشرين؛ بدأ أحدُ الأطباء بربط استخدام الثاليدوميد من الحوامل مع التشوُّهات الخلقية لدى أطفالهنَّ الذين وَلَّدهم، وكانت هذه التشوُّهات شديدةً كتشوُّهات الأطراف وتشوُّهات الأذنين والأعيُن والقلب والكُلَى.

ونتيجةً لذلك؛ حُظِرَ هذا العقار عام 1962 في الدول التي انتشر فيها، وشُدِّدَت المراقبة الدوائية ووُضِعَت ضوابط صارمة للموافقة على الأدوية الجديدة؛ وذلك بسبب تلك الكارثة التي أصابت أطفال مُستهلِكات الثاليدوميد؛ فكانت صيحة إيقاظ لتغيير البروتوكولات المُتعلِّقة بالتطوير الدوائي واختبارات السمِّية الدوائية.