جدول المحتويات

, ,

تمحيص دراسات المطاعيم: فايزر مثالا

مقالة منقولة بإذن كاتبها مع بعض التصرف ولم نذكر اسمه بناء على طلبه.

تنويه

هذه المقالة ليست نصيحة طبية؛ النصائح الطبية تأخذها من طبيبك الذي عاينك ويتابع حالتك. كما أن هذه المقالة لا تدعوك للإمتناع عن تلقي المطاعيم / اللقاحات إنما هي مجرد تمحيص لأرقام وإحصائيات.

مقدمة

في هذه المقالة سنأخذ الدراسة التي عُرضت على هيئة الغذاء والدواء الأمريكية الـ أف دي آيه (FDA) والتي أقرت بموجبها مطعوم فايزر. اخترنا هذه الدراسة نموذجا فقط لأن ما ذُكر حولها ينطبق على غيرها. سنأخذ الدراسة ونمحصها ونبين أوجه القصور التي فيها من ناحية علمية إحصائية بحتة. إن كنت تقرأ المقالة هنا لأجل نظريات المؤامرة فاستعد كي يخيب ظنك؛ لن تجد هراء شبكات الجيل الخامس والشريحة والزومبي هنا.

سأحاول تبسيط الأشياء تبسيطا مخلا حتى يفهم المقالة أوسع شريحة ممكنة وليس فقط المختصين لكنني سأضع المصطلحات بالإنجليزية والمصادر والروابط لأهل الاختصاص.

مغالطات يجب تجنبها

لنتذكر ولا ننس أننا نتحدث عن منتج لشركة ربحية (بل اللوبي الخاص بها أكبر من مجموع لوبي شركات السلاح والبترول مجتمعين). نحن لا نتحدث عن جمعيات خيرية. لذلك فعندما نجد ثغرة في الدراسة مع وجود جيش جرار من العلماء عند هذه الشركات وميزانيات بالمليارات فإنه من المرجح أن هذه الثغرة مقصودة وليست هفوة والهدف منها تعزيز أفضلية منتجاتهم وأرباحهم (وهناك أبحاث تثبت هذا ويسمى الانحياز للنجاح success bias وهذه قصة أخرى).

لنأخذ المثال التالي: الحليب هو غذاء مفيد، ولكن عندما يُطلب منك فحصه إن كان صالحا للاستهلاك لا ترد علي أن الكل يعلم أن الحليب مفيد! فهو قد يكون منتهي الصلاحية أو به حمى مالطية …إلخ.

  1. استدرار العواطف والشخصنة: مثلا الناس ستموت بسبب هكذا مقالات. وأنت ماذا تفهم مقابل كل العلماء الذين قالوا أنه كذا وكذا!؟
  2. الاستدلال الدائري والمصادرة على المطلوب.
  3. الاحتكام إلى سلطة: منظمة الصحة قالت كذا. الـ أف دي آيه FDA قالت كذا..إلخ.

الدراسة المقصودة وما حوالها

حتى لا يكون الموضوع مفتوحا وغير محصور اخترتُ دراسة واحدة وهي الدراسة التي قدمتها فايزر لأخذ موافقة الـ FDA. لكن أوجه القصور التي أشرحها هنا ليست محصورة في هذه الدراسة وإنما اخترت دراسة واحدة كنموذج فقط. والدراسة التي نحن بصددها هنا متاحة على موقع الـ FDA الرسمي على هذا الرابط وهي عبارة عن ملخص مكون من ٩٢ صفحة. إلى جانب عدة إصدارات صحفية press release صادرة عن موقع الشركة الرسمي وهذه بعض روابطها:

وهذا رابط الدراسة من موقع الدورية المحكمة التي نشرت فيها وهي بعنوان

“Safety and efficacy of the BNT162b2 mRNA Covid-19 vaccine.” Polack, Fernando P., et al. New England Journal of Medicine (2020). DOI: 10.1056/NEJMoa2034577


الدراسة وباختصار شملت ٤٤ ألف شخص تقريبا، انقسموا إلى مجموعتين متساويتين: المجموعة الأولى أخذوا المطعوم الذي انتجته الشركة والنصف الآخر أخذوا مطعوما وهميا placebo وهذه الأخيرة هي المجموعة التي تسمى المجموعة الضابطة control group. تم رصد ١٦٢ إصابة في المجموعة الضابطة مقابل ٨ حالات فقط في المجموعة التي أخذت اللقاح وبالتالي كانت الفعالية ٩٥% في منع الإصابة. تم اختيار العينة من أشخاص بين ١٦ سنة إلى ٨٥ سنة (أغلبهم بين ١٦ سنة ٥٥ سنة). المشاركين بالدراسة لم يسبق لهم الإصابة. وهناك تفصيل للتوزيع الإثنتي (أبيض أسود) والعمري وذكر وأثنى …إلخ ورصد للآاثار الجانبية المسجلة خلال الدراسة كصداع وموضع الحقن وخلافه.

منهج الدراسة والتجارب

قبل أن تعمل دراسة يكون عندك فرضية تريد اختبار صحتها من خلال تصميم تجربة لها نتائج قابلة للرصد تدعم الفرضية أو تنفيها (يعني قبل أن تعمل الدراسة تقول إذا حصل كذا فهذا يعني أن الفرضية صحيحة وإلا فالفرضية خطأ). صحة الفرضية تعتبر موضع شك وتمحيص. الفرضية هنا هي أن مطعوم فايزر يعطي حصانة. إن افتراض أن المطاعيم تعمل كجزء من التجربة هو مغالطة سافرة. يجب أن تتم التجربة بافتراض عدم التسليم بصحة الفرضية المطلوب إثباتها او نفيها. لا يجوز تقول بما أن الحليب مفيد فإن هذه العينة من الحليب صالحة للاستهلاك البشري وخالية من الحمى المالطية دون أن تعمل الفحص المخبري وترصد أنها بالفعل كذلك.

في أي دراسة يكون هناك ما يسمى بالضبط control (ومنه المجموعة الضابطة control group) وهو الأساس الذي تقاس العينة مقارنة به وهو نوعان الضبط الإيجابي positive control والضبط السلبي negative control. فإن كانت التجربة هي لكشف الحموضة عبر ورقة كشاف عبادالشمس الزرقاء التي تتحول إلى حمراء في الوسط الحمضي فإننا نحتاج إلى ضبط إيجابي وهو شيء نعلم أنه حمض (عصير ليمون مثلا) وضبط سلبي شيء نعلم أنه ليس حمض (محلول صابون الجلي مثلا) ثم العينة محل الدراسة. فقبل النظر لنتيجة العينة ننظر للضبط الإيجابي والسلبي هل أعطى النتيجة المتوقعة نكمل التجربة وننظر للعينة محل الدراسة. وإلا نعتبر التجربة فاسدة والكشاف فاسد وممنوع ننظر للنتيجة بغض النظر سلبا أو إيجابا ولا معنى لقياس رقم ال pH إن كان الضبط فاسدا.

كذلك الحال في فحص الحمل السريع. فهناك خطان الخط الضابط C وخط الفحص T. الضبط في هذا الفحص هو ضبط إيجابي Positive Control يعني يجب أن يظهر هذا الخط حتى يكون للنتيجة معنى إذا لم يظهر هذا الخط تعتبر التجربة فاسدة ولا يجوز قراءة النتيجة بغض النظر عن إذا كانت المرأة حامل أم لا.

ثبات الفعالية في ظروف الانتشار والانحسار

ما الفائدة من سترة رصاص تحميك ولكن بشرط أن لا تخوض معركة؟ ما الفائدة من تأمين يغطي السيارة فقط في حال عدم قيادتها على الطريق؟ ما الفائدة من لقاح يحميك فقط في حالة عدم تفشي المرض؟ لهذا تعرف الفعالية كنسبة مقارنة مع المجموعة الضابطة. يعني لو كان عندنا لقاح تم اختباره في مرحلة تفشي سيحصل عدد قليل من الإصابات في المجموعتين مثلا ٢٥ إصابة في مجموعة المطعوم مقابل ٥٠٠ إصابة في مجموعة الضبط. ولو تم اختباره في مرحلة تفشي لكان لدينا ٢٥٠ إصابة في مجموعة المطعوم مقابل ٥٠٠٠ إصابة في مجموعة الضبط. في الحالتين النسبة ثابتة وهي ٩٥%. إذا لم تكن ثابتة وكانت تنشط في الانحسار فإنها حماية ظرفية غير حقيقية ولا سببية.

تحسب الفعالية في منع الإصابة efficacy في مجموعتين من نفس العدد عبر المعادلة التالية: فرق الإصابات بين المطعم وغير المطعم (الضبط السلبي) مقسوم على عدد المصابين في المجموعة غير المطعمة.

في المثالي الخيالي السابق ٥٠٠ - ٢٥ = ٤٧٥ نقسمه على ٥٠٠ ضرب ١٠٠% ويساوي ٩٥% ولو كان في وقت تفشي أكثر ب ١٠ مرات سيكون ٥٠٠٠ - ٢٥٠ = ٤٧٥٠ تقسيم ٥٠٠٠ ضرب ١٠٠% ويساوي ٩٥%.

ثغرات الدراسة

أين الإصابات في المجموعة الضابطة؟

نحن في تجربة لرصد الحصانة التي يولدها المطعوم ولدينا مجموعة ضابطة سلبية (يعني ليس لديها حصانة) حتى تكون التجربة سليمة يجب أن نرى عدد كبير من الإصابات في هذه المجموعة وإلا فإن التجربة فاسدة. تماما مثل فحص الحمل عندما لا يظهر الخط. أو مثل ورقة كشف الحمض حيث لا يجوز تقرأ رقم pH إن لم تعمل على المجموعتين الضابطة الإيجيابية والسلبية.

لدينا مجموعة من ٢٢ ألف شخص في المجموعة الضابطة لا يملكون أي نوع من الحصانة لا تعافي ولا مطعوم وقد ظهر فيهم ١٦٢ حالة فقط (يعني كانوا محصنين بنسبة ٩٩,٣% بدون مطعوم والإصابة هي حوالي ٧ بالألف فقط). هؤلاء لو كانوا عينة عشوائية من مجتمع وقت التفشي لظهر فيهم حوالي ٢٠% إصابات (نسبة الإيجابي وقت التفشي) يعني أكثر من ٤٤٠٠ حالة إصابة ولو كانوا في مجتمع وقت التفشي بنسبة إيجابي ٥% لوجدنا فيها ١١٠٠ إصابة. الفرق بينهما وبين ٠,٧% كبير جدا وغير مقبول.

وللتذكير المجتمع يكون التشخيص فيه أقل من الحقيقي under-diagnosed لأن هناك مصابين لكنهم لا يفحصون. بعكس التجربة ففي التجربة يكون هناك فرط في التشخيص over-diagnosed يعني لا يوجد مصابين لكن لم يتم تشخيصهم ومع ذلك ظهر فقط ٧ بالألف. وكان ٩٩,٣% من المجموعة محصنين دون حصانة؟

هل نحن ندرس فيروس غير معدي؟ هل التجربة تمت في حجر صحي ولم تخالط أحد؟ هل هناك تلاعب وانتقاء cherry-picking؟ أيا كان السبب فإن التجربة فاسدة ورقم الفعالية المرصود ليس له أي معنى. تماما مثل رقم pH في ورقة كشاف الحمض التي فشلت في الحالة الضابطة control.

لتقريب الصورة لنتخيل أننا نقيّم سترة واقية للرصاص فعملنا تجربة وألبسنا ٢٢ ألف دمية سترة واقية و ٢٢ ألف دمية ألبسناهم سترة قماشية placebo وقمنا بإطلاق النار ثم احصينا كام رصاصة اخترقت السترة وأصابت الدمية فكان لدينا ١٦٢ دمية مصابة ممن تلبس سترة قماش من بين ٢٢ ألف دمية! هذا هراء مالذي حمى هذه الدمى؟ هل الرصاص فشنك؟ أم هل كنت تصوب في الهواء؟ أيا كان السبب التجربة فاسدة.

في صفحة ١٥ من الدراسة على موقع FDA مذكور الشروط التي تؤهل شخص كي يتم اختياره للانضمام للدراسة ومنها أقتبس

Eligibility in Phase 2/3 included higher risk for acquiring COVID-19 in the investigator’s judgment, due to … or exposure, such as: … history of smoking … Resident in a long-term facility …. Occupation with high risk of SARS-CoV-2 exposure (eg, healthcare, emergency response)


يعني إن كنت معرض للمخالطة كأن تكون طبيب فإنك مستبعد. هم يشترطون عدم وجود تعرض للمرض exposure الذي المفروض يختبروا مدى الحماية منه دون التعرض له. كأنك تختبر سترة واقي رصاص دون أن تعرض الدمية للرصاص. هل يعقل أن تختبر الزجاج المضاد للكسر دون تعريضه لمحاولة كسر؟ انظر كيف يختبرون سيارة مضادة للرصاص في هذا الفيديو

عدم ثبات الفعالية مع الانتشار والانحسار

المفروض أن نسبة فعالية أي لقاح هي نسبة مستقرة robust لا تتأثر بالإنتشار والإنحسار كونها تحسب كنسبة ولأن اللقاح المفروض أنه هو سبب الإنحسار وليس مجرد شيء ظرفي تزامن مع الإنحسار ولم يكن سببا فيه. كما ذكرنا أعلاه لو تمت تجربة لقاح فعاليته ٩٥% وقت انتشار فحصلت ٥ آلاف إصابة مقابل ٢٥٠ إصابة أو تمت تجربته في وقت انحسار بإصابات أقل ب ١٠ أضعاف ٥٠٠ إصابة مقابل ٢٥ إصابة النسبة في الحالتين واحدة وهي ٩٥%.

مر بالعالم عدة موجات كورونا لعلها أربع موجات، ولكنها انحسرت جميعها قبل اختراع المطاعيم وذلك بسبب السعة الحاملة في المعادلة logistic growth with carrying capacity قبل اختراع المطعوم (سبب الإنحسارات السابقة هو أن الحالات النشطة المعدية لكثرة عددها كل واحد منها محاط بمصابين آخرين أو متعافين وليس معرضين للإصابة فيبدأ الإنحسار).

عند سؤال جونسون اند جونسون لماذا فعالية مطعومهم ٦٦٪ مقارنة بفايزر ٩٥٪ قالوا هذا لا يعني ان فايزر يحمي أكثر لكن ظروف التجربة فلو عملناها في ظروف انحسار مشابهة لحصلنا نسبة أعلى (انظر هذا الفيديو).

هذا الكلام مناقض لتعريف الفعالية efficacy كصفة ثابتة للمطعوم مستقلة لأنها نسبة (كما سبق وذكرنا في فقرة عن ذلك أعلاه). فعالية المطعوم يجب أن تكون صفة جوهرية له وليست صفة عارضة. التحصين يجب أن يكون ناتج عن المطعوم وليس نتيجة عرضية لشيء ظرفي تزامن مع التجربة. ويجب تحييد أي عامل خارجي.

قد يقول قائل هذه مبررات جونسون وهما مطعومان منفصلان. وهنا نرد محل الاستشهاد في كلامهم ليس عن هذه الماركة أو تلك أو هذا المنتج أو ذاك بل السؤال هل هم قاسوا الفعالية الجوهرية للحصانة الناتجة عن المطعوم أم قاسوا شيء عرضي ظرفي. والجواب أنهم مجمعون أنه ظرفي (يعني ليست علاقة سببية بدليل تغيرها بتغير الظروف).

نعود لفايزر تقول الشركة في موقعها الرسمي press release والذي وضعنا رابطه أعلاه نجد هذه الفقرة:

Primary efficacy analysis demonstrates BNT162b2 to be 95% effective against COVID-19 beginning 28 days after the first dose;


الترجمة: فعاليته بعد ٢٨ يوم من الجرعة الأولى وصلت إلى ٩٥%. هل هذا صحيح ومطابق للواقع الذي رصدنا؟ هل فعلا يمنع الإصابة بمقدار ٩٥% بعد الجرعة الأولى؟ طبعا هذا هراء نحن نعرف الكثير من الناس أصيبوا بعد الجرعة الأولى. لاحقا الإعلام كان يقول طبيعي لأن الحصانة لا تكتمل إلا بالجرعة الثانية لكن الدراسة على موقع الشركة تقول ٩٥% فعالية بعد الجرعة الاولى! هل كانوا يكسبون الوقت؟ الموضوع ليس “شعور” إذ أن هناك دراسة مقارنة تمت في بريطانيا وجدت أن فعالية فايزر هي ٦١% بعد ٢٨ يوم وليس ٩٥% أقتبس:

When vaccination status was assessed in individuals testing positive for SARS-CoV-2 (44,590; 28%) compared with those testing negative (112,340; 72%), a protective effect was seen in Pfizer/BioNTech BNT162b2 recipients 10–13 days after vaccination, reaching 61% effectiveness after 28 days. For those who received the AstraZeneca vaccine (ChAdOx1-S), protective effects emerged 14–20 days after vaccination, reaching 60% effectiveness after 28 days. – DOI: 10.1136/bmj.n1088


هناك ٤٤ ألف إصابة (الثلث تقريبا) فيمن أخذ المطعوم! هل هذا يشبه ٩٥% حماية بالنسبة لك؟ سيقول قائل: حماية ٦٠% أفضل من لا شيء. هنا نقول نحن الآن لا نتحدث هل هي ٦٠% أم ٩٥% نحن نسأل هل هي حماية جوهرية سببية أم عارضة (ظرفية لسبب خارجي). والجواب طالما تتغير بتغير الظروف فهي عارضة وليست سببية. وهذا يدل أن الدراسة معيبة. إذا جمعنا هذه النقطة مع النقطة التي قبلها سنعلم أنه عند حدوث تفشي فإن هذا اللقاح لن يحمينا (كون الحماية فيه عرضية تابعة للإنحسار دون أن تكون هي سببا فيه).

لفت انتباهي العبارة التالية في الدراسة: أن فعالية المطعوم Vaccine Efficacy أكبر من ٣٠% حسب beta-binomial model

VE of BNT162b2 is >30% using a beta-binomial model,


السؤال هنا ماذا يقصدون بـ أكبر من ٣٠%؟ يعني مثلا ٣٠,١% أم ٩٩%؟ ولماذا الغموض؟ وأين الرقم الدقيق؟

أين الضبط الإيجابي؟ هل اللقاح أفضل من التعافي؟ وما مقدار ذلك؟

كما قلنا الضبط نوعان أيجابي وسلبي. تماما كما نحتاج لضبط سلبي أي أن نقارن المطعمين مع من لايملك حصانة (مطعوم وهمي placebo) نحتاج أن نقارن حصانة المطعوم بحصانة المتعافي. هل مناعة المتعافي أقل أم أكثر؟ أم لعلها أدوم أم أسرع تلاشيا؟ كان يفترض أن يكون ٢٢ ألف متعافيا كي تكتمل الصورة. كما في فحص الحمل لما لا يظهر خط الضبط الإيجابي يجعل التجربة فاسدة ونتيجتها لا معنى لها. نعم هذا ليس جزء الممارسات المتبعة حاليا لكن السؤال لماذا ليس من الممارسات المتبعة مع أنه من أساسيات تصميم التجارب! لأنه ببساطة يتعارض مع مصلحة شركات الأدوية في المبيعات. المتعافي هو منافس مجاني للمنتج الذي تم تصميم التجربة لتسويقه. بالنسبة لهم هو ضياع زبون محتمل. تجارة قذرة وسعي أعمى للربح وليس علم. لا يوجد مبرر علمي واحد لعدم وجود الضبط الإيجابي في التجربة.

وحيث أنه مرت عدة موجات (ثلاثة أو أربعة) قبل بدء التطعيم فهناك عدد كبير من المتعافين في كل المجتمعات. لو كنا في أول موجة سيقولون بأننا لن نصل لنسبة كافية من الحصانة الطبيعية إلا بعد حصول عدد كبير من الوفيات. لكن ونحن في الموجة الرابعة (عالميا) فهذا يعني هذه الحصانة حقيقة موجودة مسبقا قبل المطاعيم وليست شيء نحاول السعي للحصول عليه.

من المعروف من خبرة البشر مع الأمراض السارية القديمة أن مناعة المطاعيم أقل فعالية من التعافي وأنها تحتاج جرعات تعزيز وأنها ليست مناعة دائمة. مثلا من يصاب بحصبة أو جدري يأخذ مناعة مدى الحياة لكن من يأخذ المطعوم يحتاج جرعات تعزيز وقد يصاب بالمرض.

أما تفسير ذلك فنحتاج نعرف باختصار (بسيط ومخل) كيف يعمل جهاز المناعة. جهاز المناعة يقوم بهجمات دفاعية لا تستهدف المرض على التعيين مثل رفع الحرارة والعاصفة المناعية هنا يقتل خلايا الجسم السليمة المحيطة بالمرض. يقتل الأخضر واليابس ويراهن أن خلايا الجسم أكثر بكثير من الدخيل الجديد فلو هاجم كل المنطقة بالبراميل المتفجرة فإنه سيقضي على الدخيل مضحيا ببعض ما حوله. وفي هذه الأثناء يكون يعمل على تطوير مضاد “تفصيل” أجسام مضادة تناسب هذا الوباء الدخيل بالذات مثل القناص تتعرف على الوباء دون غيره وتلتصق به. وجود الأجسام المضادة لا يعني أن الجسم كسب المعركة لكنه يعني أنه قام بردة فعل. هو مثل قيام المضادات الأرضية بالعمل على التصدي لغارة جوية لكنه لا يخبرك من انتصر وهل تمكن بالفعل من اسقاط طائرات العدو. هو ردة فعل بغض النظر ناجحة أم لا. مثلا مريض الإيدز لديه أجسام مضادة للإيدز لكن هذا لا يعني أنه هزم المرض. وهناك آلية مناعة تسمى خلايا الذاكرة memory cells حيث يقوم الجسم بعمل مخزون مستقبلي أو خطة مستقبلية للتصدي لهجمات مشابهة. يعني لو حصل هجوم مستقبلي فإنه لن يتنظر طويلا في تطوير الأجسام المضادة لأنه احتفظ بالقالب أو الخطة أو مخزون لهذه الأجسام المضادة. وهذه المراحل الثلاثة التي تحدثنا عنها تعمل بهذا الترتيب. يعني قد تكفي العاصفة المناعية في التصدي للمرض قبل انتاج الأجسام المضادة وقد ينتج الجسم أجسام مضادة ولا يحتفظ بخلايا ذاكرة. فالجسم لا يحتفظ بمخزون مستقبلي من ذخيرة ال memory cells لكل دخيل. فقط الدخلاء الشرسين. لذا عندما يكون عندك دخيل ضعيف غير قاتل (مثل المطعوم) لماذا سيقوم الجسم بإعداد ترسانة مستقبلية للتصدي له؟

غياب الضبط الإيجابي يجعل الإجراءات التشجيعية المتبعة لأخذ اللقاحات في أغلب الدول مثل اشتراط التطعيم للسفر أو للتصاريح وعدم تطبيقها على المتعافين إجراءات دون سند علمي. ببساطة لا يوجد مندوب مبيعات يسمسر من المتعافين.

لو كان هناك ضبط إيجابي وتبين أن التعافي أفضل من اللقاح بنسبة ٩٥% أو بالعكس وحيث أننا جربنا التعافي في أرض الواقع فإنه يمككنا ضبط توقعاتنا حيث أننا مررنا بموجات سابقة حصل فيها انحسار نتيجة التعافي. إنعدام الضبط الإيجابي يجعلنا عاجزين عن تقديم توقعات مستندة لأساس علمي بل مجرد أمنيات دون أي أساس علمي.

حذف/استبعاد نتائج آلاف الأشخاص من الدراسة دون إبداء الأسباب

التجربة بدأت بحوال ٤٤ ألف شخص وهذا مذكور جدول صفحة ١٣ أن المرحلة الثالثة دخلها ٤٤ ألف مشارك (يتم التعبير عنه N~44k في ملف الدراسة). كانوا حوالي ٤٣٢٥٢ ثم زادوهم ليصبحوا ٤٣٤٤٨ وهناك كلام عن إضافة ٣٦٠ شخص دون توضيح لماذا تم إضافة هؤلاء الناس وعلى أي أساس. لكن ما هو أغرب هو أنه لغرض تجربة الجرعة الثانية تم استبعاد حوالي ٦ آلاف إلى ٨ آلاف شخص من التجربة. في الإصدار الصحفي press release الثاني العدد المذكور هو ٣٦,٥٢٣ وفي دراسة FDA الجدول صفحة ٣٣ العدد هو ٣٧,٧٩٦ شخص والكلمة المستخدمة هي enrolled (يعني تم اختيارهم) وهناك أيضا كلمة unblinded. الموضوع مريب جدا. علما أن هذا غير متعلق بالمنسحبين اختياريا من الدراسة وعددهم بحسب جدول ص ٣٣ حوالي مئتين وهو رقم قليل مقارنة بال ٨ آلاف شخص.

لاحظ أن رقم التجربة واحد وهو C4591001 يعني تجربة ال ٤٤ ألف مشارك هي نفسها تجربة ٣٨ ألف مشارك وليس تجربة أخرى

الأشخاص الموضح أسباب انسحابهم بالعشرات إلى حوالي المئة. من ضمن تلك الأسباب حدوث انتكاسة للشخص Adverse event وعددهم فيمن أخذ اللقاح ٢٠ وفيمن لم يأخذه ١٢ في مرحلة والثانية ٨ فيمن أخذه مقابل ٥ فيمن لم يأخذه. وهناك وفاتان حصلتا في المجموعة التي أخذت المطعوم. يعني بلغة بسيطة عندما حدثت انتكاسة لشخص ما ووصلت إلى درجة الوفاة سجلوها انسحاب ولم يسجلوها ضمن النتائج.

المصيبة الأكبر لا تكمن في المئتي منسحب بل في ال ٨ آلاف الذين تم استبعادهم بشكل غامض. يعني لديك ٤٤ ألف شخص بعد ٢١ يوم المفروض تعطيهم الجرعة الثانية اختارت الشركة أن تدخل في الدراسة enroll عدد ٣٦ ألف منهم وتخفي نتائج ٨ آلاف شخص.

عندما تخرج النتائج بمئة إصابة مقابل ٨ إصابات من أصل ٤٤ ألف فإن إخفاء ٨ آلاف نتيجة بالتأكيد يمكنها قلب النتيجة تماما. ولو تم احتساب الوفيات المنسحبة ضمن فعالية المطعوم سيكون دون أي فعالية تذكر. وقبل أن تقول أنه تم الانسحاب والحذف من المجموعتين أقول لك لكنه لم يكن أعمى unblinded يعني كانوا يعلمون أيهم من مجموعة اللقاح وأيهم من المجموعة الوهمية.

الدراسة ذات ال ٤٤ ألف مشارك هي نفسها الدراسة ذات ال ٣٦ ألف مشارك.ما حصل هو أن ٣٦ ألف من أصل ٤٤ ألف تم إشراكهم enrolled في المرحلة الثانية والثالثة وهناك ٨ آلاف تم استباعدهم.

هل كانت تجربة معماة فعلا؟ وما أهمية ذلك؟

تناقلت وكالات الأنباء عناوين فيها عبارات تكييل المديح لهذه الدراسة كونها double-blind randomized placebo-controlled trial وكما شاهدنا أعلاه كل تلك العبارات سقطت. لكن ما معنى double blind؟ وكيف يؤثر سقوط هذه الصفة على موثوقية الدراسة؟ باختصار أن الشخص المتطوع في الدراسة يجب أن لا يعلم إن كان في أي مجموعة هل هو في مجموعة الوهمي أم مجموعة المطعوم (وذلك لتحييد العوامل النفسية). كذلك الباحثين ممن يباشر جمع البيانات observer-blinded يجب أن لا يعلموا من من الأشخاص في أي من تلك المجموعات وذلك لتحييد عامل التحييز. بالنسبة لهم الشخص رقم 1467 أخذ الحقنة الحمراء والشخص رقم 27897 أخذ الحقنة الزرقاء. لكنه لا يعلم أيهما أخذ المطعوم. العاملون هم موظفون في الشركة ويأخذون رواتبهم وترقياتهم منها ومن مصلحتها ومصلحتهم ظهور نتائج فعالية مبالغ فيها أو مزيفة.

فك التعمية مذكور في الإصدار الصحفي press release

To date, the Data Monitoring Committee for the study has not reported any serious safety concerns related to the vaccine. A review of unblinded reactogenicity data from the final analysis which consisted of a randomized subset of at least 8,000 participants 18 years and older in the phase 2/3 study demonstrates that the vaccine was well tolerated, with most solicited adverse events resolving shortly after vaccination.

وأيضا في صفحة 16 و 17 من الدراسة

The Phase 2/3 portion of the study remains blinded to Sponsor and site personnel who are responsible for the ongoing conduct of the study, with regard to individual participants’ randomization. Safety evaluation by the study team remains blinded until a decision is made to unblind the entire study. A separate (from study conduct) small unblinded submissions team is responsible for regulatory submissions including the EUA application data analysis and submission…. When a COVID-19 vaccine is available under an EUA, placebo recipients who choose not to remain in the ongoing study will need to be unblinded to determine whether they received BNT162b2 or placebo,

يعني المستبعدين والمنسحبين كانوا unblinded. طيب لماذا تحديد فني الموقع blinded to site personnel؟ يعني مثلا اللي مسماه الوظيفي غير هيك لم تكن blinded لهم ؟ ما الضامن أن ال ٨ آلاف unblinded لن يؤثروا على النتيجة؟ وما الضامن عدم وجود تواصل بين المسؤولين عن تنظيم الأمان safety regulations لم يتواصلوا مع “فني الموقع” والذي المفروض أنه blinded؟

ربما أكون أسأت التقدير أو الفهم في هذه الفقرات لكن الموضوع برمته مريب على أقل تقدير فعبارة observer blinded أشمل من blinded to site personnel وليس عندي ما يدفعني لافتراض حسن النية هنا.

الكيل بمكيالين

في صفحة ٧٨ من الدراسة نجد الشروط التي اعتمدوها في تعريف الإصابة إلى جانب فحص إيجابي PCR/NAAT وهي أن يكون هناك واحد أكثر من الأعراض (التشخيصات الإكلينيكية) التالية: معدل نفس أكثر من … معدل نبض أكثر من … اكسجين أقل من ٩٣% … مستوى PaO2/FiO2 أقل من ٣٠٠ …إلخ…

السؤال الذي يطرح نفسه لماذا عند إثارة الرعب في الناس يتم اعتماد الفحص وحيدا ويقال تم تسجيل كذا حالة كورونا؟ لكن عند تقييم فعالية المطعوم تم تقييد تسجيل الإصابة بظهور واحد أو أكثر من علامات إكلينية محددة! بمعنى الإيجابي الذي لا يعاني من شيء لا يحتسب إصابة ما لم يظهر عليه أحد تلك العلامات المحددة. علما أنها علامات سهلة القياس وغير مكلفة ولا تأخذ وقت (عد النفس أو النبض أو حتى قياس مستوى الاكسجين الذي يمكن قياسه عبر الساعات الذكية أو عبر مجس يوضع على طرف الإصبع).

كما نعلم الكورونا مرض نسبة الوفاة منه (حسب أرقام الأردن) حوالي ١% وحوالي ١٠% يحتاجون رعاية ثم يشفون أما ٩٠% فيشفون دون رعاية. احتساب أوعدم احتساب الحالات الطفيفة mild cases يقلب الأرقام بالكامل لأن أغلب الإصابات طفيفة mild.

تحديث: شيء لا يُصدق: بعد أن أمرت المحكمة هيئة الدواء والغذاء الأمريكية (أف دي إيه) بإصدار الوثائق الخاصة بتطعيم فايزر إلى الناس، زعموا أن عندهم ما يقرب من ٥٠٠ ألف صفحة، وأنهم لا يمكنهم نشر أكثر من ٥٠٠ صفحة في الشهر الواحد. لذلك طلبوا مهلة ٥٠ سنة حتى ينشروا للناس محتوى تلك الوثائق والتي قامت الهئية بناء عليها باعتماد التطعيم. الأطرف في الموضوع هو أن “الفضائح” ظهرت بعد إصدار أول ٥٠٠ صفحة: تبين أن بين ٤٠ ألف هناك ١٢٠٠ وفاة و ٢٥ ألف تلف اعصاب!